• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصلاة والمفاهيم السلوكية الحديثة في الطب

معين خان وميخائيل جيلور

الصلاة والمفاهيم السلوكية الحديثة في الطب

◄يتميز الإسلام- من بين الديانات العظمى في العالم- بأنّه يحمل اسماً ذا دلالة. اسم يشير إلى مغزاه الحقيقي. أنّ جذور معنى كلمة الإسلام هي أن يدخل المؤمن في سلام مع ربّه ومع الناس. يقول الله تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة/ 112).

وفي الوقت الذي نجد فيه أنّ الإجهاد والضغط النفسي يلعب دوراً في أمراض كثيرة، وإنّ التأكيد في الطب الغربي يتجه إلى أنّ اعتبار المريض، ليس كلّ مشكلته في وظائف الخلايا وأعضاء أجهزته، ولكن النموذج الشامل (السيكوسوماتي أو البدني النفسي) يشير إلى أهمية عمليات المعرفة للفرد ودوره في الإسلام ودوره في الوسط الاجتماعي. كلّ هذه عوامل هامة تحدد استجابته للمرض.

هذه الدراية المتزايدة بالدور الذي يلعبه الإجهاد النفسي في مختلف الأمراض يأتي في وقت يكون فيه الجانب العملي للتحول النفسي ضئيلاً وفي وقت تتزايد فيه أخطار الإدمان للأدوية المهدئة لدرجة أنّها صارت مشكلة أضف إلى ذلك تفكك نواة الأسرة، هو اتّجاه متزايد في الطب الغربي معتمدين على عوامل أخرى لمساعدة مرضاهم في مواجهة الإجهاد النفسي.

هذا الاتّجاه في ما يسمونه في مجال الطب السلوكي أو طب الإجهاد يؤكد أهمية أساليب التنظيم الذاتي وكيف أنّ المريض بنسقه اليومي الرتيب يستطيع أن يكيف نفسه مع إجهاد المرض ومن بين الفرائض الخمسة في الإسلام فريضة الصلاة. والصلاة تشكل جانب هاماً أولاه القرآن الكريم أعظم عناية. أنّ مكانة الصلاة في تكوين الإنسان اتخذت أهميتها في الإسلام بدءاً من الآذان الذي هو دعوة للصلاة حيث ينادي المؤذن (حي على الفلاح) موضحاً أن تكون الذات إنما يتحقق بالصلاة.

والقرآن يقول: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون/ 1-2) واستعملت كلمة الفلاح لتحمل مفهوم التكوين الذاتي الكامل. ومن خلال الصلاة اليومية المنتظمة ونمو الذات يستطيع الإنسان أن يشكل تكيفه مع ضغط المرض.

وهذه البرامج تحمل ثلاثة عناصر: أولهما محاولة لتقليل التيقظ النفسي الوظيفي بما يسمى الاستجابة للاسترخاء. أنّ الحركات الجسمانية التي تشبه الصلاة - تشترك في أنّها تكوّن عناصر مشتركة لوسيلة عقلية، وضع سلبي، استرخاء عضلي وجو هادئ.

أنّ مشابهة هذه الأنشطة للصلاة قد أشير إليها تحت عنوان الاستجابة للاسترخاء (يبسون للأمراض النفسية جزء 137 فبراير 1974م) والطريقة الإسلامية في العبادة محسوبة على تركيز الانتباه في شيء واحد واستحضار الشعور النبيل والوضوء قبل الصلاة واستقبال القبلة في الوقوف والانحناء في الركوع ووضع الجبهة على الأرض في السجود ووضع الجلوس في خشوع. كلّ هذا يساعد العقل على أن يستشعر وجود الله والمتعبد يجد قلبه متمتعاً بأنّه يفعل ما هو تعظيم للخالق الأعلى، وليس ذلك فقط بمشاعره بل بكلّ جسده متخذاً وضعاً خاشعاً.

وما من شك في أنّ الشعور بعبودية الإنسان يجد أوضح تعبير في الخشوع. الذي يتخذ في الصلاة. أنّ الصلاة كلّها هي أهم عمل خاشع وجاد. حيث لا يشغل انتباه المتعبد أي شيء آخر ولا يقوم بأي حركة تبعد انتباهه أو تغير وضعه. فالمصلي أذن شخص لا يشغله شيء عن ذكر الله يتلو آيات في القرآن الكريم تملأه بالحبّ والرحمة والقوّة والمعرفة. ومما لا شك فيه أنّ هناك أوضاعاً جسمانية معينة تولّد في الإنسان الشعور بالعظمة والكبرياء، بينما في أوضاع أخرى يتمثل الخضوع، وهذا الأخير هو وضع الصلاة وهذا هو الإطار الذهني الذي يقرّب العبد من ربّه. فإذا كان الخضوع هو مغزى الصلاة فإنّ أوضاع القيام والجلوس والركوع والسجود هي أيضاً أساسية لخلق هذا الشعور في الإنسان وأي تغيير في هذا الأسلوب يؤدي إلى الأسوأ لأنّه لا يقودنا إلى الغاية المقصودة من الصلاة .

والعنصر الثاني المشترك في هذه البرامج المتعلقة بمراكز الضغط يدور حول الإدراك الإيجابي للثقة الذاتية وكيفية استخدامها.

فمثلاً إنكار احتمال الموت في غرفة الإنعاش القلبي يزيد معدل الحياة في كثير من الأبحاث وكثير من الاهتمام يوجه في هذه المواقف الطية إلى التركيز على الأفكار الإيجابية والثقة في الشفاء النهائي لأنّ ذلك انعكاس هام ليس فقط في أحداث استرخاء، في وظائف الأعضاء. ولكن أيضاً في مساعدة المريض في الصمود عن طريق تجاهل الحقائق التي تصاحب حالته.

والإسلام في هذا المجال يدعو الإنسان للصلاة. والصلاة لا تجعله متراخياً بل تعطيه القوّة ليقوم بصراع أعنف في مواجهة الإحباط والفشل بأن يتجه إلى الله مصدر القوّة. وأنّ القرآن الكريم يعلم الإنسان أن يعمل بجد لتحقيق النجاح في الحياة.

والعنصر الثالث أنّ هناك اهتماماً يعطي للسلوك التفاعلي الواضح والدور الذي يلعبه في كثير من الأمراض المزمنة (كتاب الألم لفورديس - نيويورك 1974م).

فمدخل الطب السلوكي لعلاج الآلام المزمنة لا يعتمد على تطوير استجابات الوظائف النفسية للمريض عن طريق العلاج بالاسترخاء والتبصير فحسب ولكن أيضاً بتقليل الاتجاه نحو استشعار الألم وحده. كما أنّ مواساة الأهل وشريك الحياة من أهم العوامل التي تساعد على تحمل الآلام.

وهكذا فالنموذج الإسلامي الذي يتعامل مع ظروف الضغط النفسي لا حالة المرض ليس فقط بالاسترخاء والتبصير ولكن أيضاً بتوفير "السند الاجتماعي الذي يشجع النشاط النافع وينمي العلاقة العائلية والزوجية وكلّ هذا يساعد في التغلب على عملية الألم". ►

ارسال التعليق

Top